ادعمنا

نظرية نهاية التاريخ - The End of The History Theory

 

تهتم نظريات العلاقات الدولية بدراسة المجتمع الدولي الذي يتجاوز بحدوده الدولة الواحدة، وتتسع لتحليل ودراسة كل ما يتعلق بطبيعة العلاقات التي تربط الدول التي تحتوي على شعوب مختلفة. فبعض النظريات تتناول هذا التحليل انطلاقاً من اعتبار المجتمع الدولي مجتمعاً منظماً أي قائماً على التضامن بين مختلف أعضائه ويحكمه قانون وتنظيمات تسعى إلى تحقيق الصالح العام وتحقيق أهداف مشتركة. أما البعض الآخر من النظريات تعتبر أنّ المجتمع الدولي هو فوضوي وغير منظم يطغى عليه مبدأ ومنطق القوة، أي الأقوى هو من يفرض ارادته لتحقيق مصالحه. فانطلاقاً من التباين بين منطلق التحليل، يتبين أن هناك نظريات تؤمن بتعدد الأطراف الدولية والايديولوجيات والثقافيات والانسجام فيما بينها. بينما نظريات أخرى على عكس ذلك تؤمن بالصدام بين هذه الأطراف وأنّ الهيمنة هي لصالح طرف دون الآخر. فما محتوى نظرية نهاية التاريخ؟ وأين تقع بعناصرها ومنطلقاتها بين مختلف النظريات المتباينة بمضمونها؛ أي التي طرحناها آنفاً؟

 

تعريف "نهاية التاريخ"

إنّ عبارة "نهاية التاريخ" مركبة من مصطلحين "نهاية" و "تاريخ". فبالعودة إلى معجم اللغة العربية المعاصرة، تُعرف النهاية على أنها "آخر الشيء وغايته". كما أنّ ورد في المعجم نفسه تعريف التاريخ على أنه "جملة الأحداث التي يمر بها كائن ما ويصدق على الفرد والمجتمع والظواهر الطبيعية وغيرها". إلاّ أنّ لا يمكن معرفة تعريف نهاية التاريخ والمقصود باستخدامهما دون العودة إلى أصل تسمية هذه النظرية.

 

أصل التسمية

تعود نظرية التاريخ إلى مؤسسها فرانسيس فوكوياما، فيقول محمد سيف حيدر النقيد أنه: "في عام 1992 أصدر المفكر الأمريكي، ذو الأصول اليابانية، فرانسيس فوكوياما كتابه الذائع الصيت نهاية التاريخ وخاتم البشر الذي طور فيه أفكاره النظرية حول 'نهاية التاريخ'، التي سبق أن وضع خطوطها الأولى في صيف عام 1989 في مقالة شهيرة حملت ذات العنوان ولكن بصيغة تساؤلية حذرة، نشرتها مجلة ذي ناشيونال إنترست The National Interest اليمينية المعروفة." فاستخدم فوكوياما كلمتي نهاية التاريخ معاً للإشارة إلى أنّ التاريخ بالنسبة له "عبارة عن خطوات التطور التدريجية والشاملة للمجتمعات والمؤسسات البشرية والسياسية والاقتصادية. هذه العملية التاريخية تجد منتهاها في الديمقراطية الليبرالية واقتصاد السوق." والمقصود بنهاية التاريخ وفقاً للنظرية هو نهاية الأيديولوجيا وليس من الناحية الدينية، والإنسان الأخير بالنسبة له هو الذي يشعر بقيمته كإنسان ويحصل على الاعتراف به، فيصوره على أنه الذي يعيش في المجتمعات الليبرالية الديمقراطية والذي حصل على اعتراف من قبل الدولة به.

 

تعريف نظرية نهاية التاريخ

يقول كريس هيوز- Chris Hughes أنه: "ترتكز نظرية فوكوياما على الحجة القائلة بأن الديمقراطية الليبرالية هي النظام الاجتماعي/ السياسي الذي يرضي القوى العالمية وراء حركة التاريخ." أي تبعاً لذلك، يعتبر هيوز أنّ نهاية التاريخ هي لصالح الديمقراطية الليبرالية. والمقصود بنهاية التاريخ وفقاً للنظرية هو نهاية الأيديولوجيا وليس من الناحية الدينية. كما تتطرق سيلسين أونير- Selcen Oner إلى أنّ "مقال فوكوياما كُتب في فترة تغيرات غير متوقعة في التاريخ، مع انهيار الاتحاد السوفياتي هُزمت الاشتراكية التي كانت التهديد الرئيسي والبديل لليبرالية." أي أنهها تعتبر انهيار الاشتراكية هو زوال بديل الليبرالية، فهذا بمثابة انتصار لها. ويشير خليل حسين أن "تأثر فوكوياما في بناء نظريته بآراء الفيلسوف الشهير هيغل واستاذه الفيلسوف ألن بلوم، حيث ربط كلاهما بين نهاية تاريخ الاضطهاد الإنساني واستقرار نظام السوق الحرة في الديمقراطيات الغربية. ذكر فرانسيس فوكوياما في مقاله الشهير 'نهاية التاريخ' شارحاً نظريته بالقول، إن ما نشهده ليس نهاية الحرب الباردة أو مرور فترة معينة لمرحلة ما بعد الحرب، وإنما نهاية للتاريخ بوضع حد للافكار الأيديولوجية في التاريخ الإنساني وانتشار قيم الليبرالية الديمقراطية الغريبة." أي أنه يعارض فكرة ماركس التي تنص على أنّ نهاية تاريخ الاضطهاد الإنساني ستترافق مع إزالة الفوراق بين الطبقات. 

 

الظروف السياسية المرفقة لنظرية نهاية التاريخ

ترافقت نظرية نهاية التاريخ مع ظروف سياسية مختلفة ولعلّ أبرزها يتجلى بنشر الديمقراطية في العديد من دول العالم وانهيار الاتحاد السوفياتي. حيث شكل هذا الانهيار تغيرات في النظام العالمي الذي كان قائماً على الثنائية القطبية، فأدى إلى تفرد الولايات المتحدة الأمريكية وتحول إلى نظام أحادي القطب. فهذا ما شجع الباحثين والمفكرين إلى صياغة نظريات مستلهمة من انتصار الليبرالية وتزعم الولايات المتحدة للنظام العالمي وقيادته. فتم صياغة نظرية نهاية التاريخ انطلاقاً من هذه النزعة الأمريكية. فيقول فوكوياما في هذا الصدد: "مقالتي في نهاية التاريخ اختتمها بتساؤل ينبغي على الجميع مناقشته لأنني وعندما أنظر حولي بالعالم لا أجد بدائل قوية للديمقراطية الليبرالية في المجتمعات الحديثة على الأقل… وإذا أخبرني أحد بوجود ما يثبت عكس ذلك فسأكون سعيداً وسأقول إنني مخطئ في نظريتي." 

 

عناصر نظرية نهاية التاريخ 

إنّ نظرية نهاية التاريخ تقوم على مجموعة من العناصر والتي تميزها عن غيرها من النظريات، وهي تتجلى فيما يلي:

- إنّ الديمقراطية بشكلها المعاصر بدأت بالنمو منذ بداية القرن التاسع عشر وأخذت بالانتشار تدريجيا ً كبديل للأنظمة الديكتاتورية في مختلف أنحاء العالم. فيقول فوكوياما: "فمن بين الأنماط المختلفة للأنظمة التي ظهرت عبر تاريخ الإنسانية، (من الملكيات والأرستوقراطيات، إلى الحكومات الدينية الخاضعة لرجال الدين، إلى الديكتاتوريات الفاشية والشيوعية في قرننا هذا)، نجد أن الشكل الوحيد للحكومية الذي بقي ثابتاً لم يمس حتى نهاية القرن العشرين، هو الديمقراطية الليبرالية."

- إنّ فكرة الصراع التاريخي بين السادة والعبيد لا يمكن أن يكون له نهاية إلا من خلال الديمقراطية والسوق الحر. حيث يعتبر أنّ ستسود في نهاية التاريخ الدولة الليبرالية، حيث يعتبر أنّ الليبرالية لها مميزات كالعقلانية أي تحقق الاعتراف بمختلف الأطراف. كما أنه يعتبرها "'عامة' بمعنى أنها 'توفر الاعتراف لجميع المواطنين لأنهم بشر، لا باعتبارهم أعضاء في جماعة وطنية أو عرقية أو جنسية معينة'. وهي دولة 'متجانسة' بحيث 'تخلق مجتمعاً لا طبقات فيه يقوم على أساس إلغاء الفوارق بين السادة والعبيد'."

- إنّ الاشتراكية أو الشيوعية لا يمكنها أن تتنافس مع الديمقراطية، حيث يعتبر أن الديمقراطية هي أفضل النظم أخلاقياً وسياسياً واقتصادياً. وحتى إن عاد أي نظام فإنّ التاريخ قد انتهى للديمقراطية وستبقى تقوى أكثر. فيقر أنه "منذ بداية التسعينات، لم يبق في ساحة المعركة إلاّ أيديولوجيا واحدة ذات طابع شمولي وهي الديمقراطية الليبرالية، فالايديولوجيا الشيوعية انتهت، أما الإسلام فهو 'يشكل نظاماً أيديولوحياً آخر متماسكاً، شأن الليبرالية والشيوعية، وأن نظامه الأخلاقي الخاص وعقيدته الخاصة في العدالة السياسية والاجتماعية، ودعوات ذات طابع شمولي تتوجه إلى جميع الناس… إلاّ أنّ هذا الدين لا يبدو أن يمارس أية جاذبية خارج الأصقاع التي كانت إسلامية ثقافياً منذ بدايتها'."

 

نظرية نهاية التاريخ والديمقراطية 

إنّ نظرية نهاية التاريخ كما ذكرنا آنفاً تتحدث عن انتصار الليبرالية والديمقراطية، حيث يعتبر فوكوياما أنه ازدادت نسبة الأنظمة الديمقراطية وأصبحت بديلة للأنظمة الديكتاتورية بعد أن كان عددها متدني في بداية انتشارها. فتبعاً لجدول نشره فوكوياما في كتابه حول الديموقراطيات الليبرالية في شتى أنحاء العالم، في العام 1790 كانت الديمقراطية مقتصرة على الولايات المتحدة وسويسرا وفرنسا واليونان ومن ثم أصبحت تتنامى تدريجياً حتى وصلت في العام 1990 إلى 61 دولة. "وفي هذا الإطار يتحدث فوكوياما عن عناصر 'ثقافية' عدة، تنبع من حضارة الشعب، وتؤثر في إمكان إقامة ديمقراطية مستقرة وراسخة، أو بعبارة أخرى، تشكل عقبات أمام الديمقراطية". وهي تتجلى فيما يلي: أولاً، بطبيعة الوعي القومي والعرقي والجنسي، أي أنه يعتبر لا يمكن إقامة الديمقراطية إلا عندما يكون هناك وعي، فالمجتمعات التي تسيطر عليها النزعات لا تعترف بحقوق بعضها البعض. حيث لا تستطيع أن تؤمن الإحساس بالوحدة الوطنية وهذا ضروري بالنسبة لفوكوياما لبزوغ ديمقراطية مستقرة. ثانياً، الدين، حيث يعتبر فوكوياما أنّ الدين هو بمثابة عقبة ثقافية لقيام الديمقراطية، وعلى الرغم من أنه أقر أنها ليست عائقاً في بعض الحالات، إلا أنه "يقطع في النهاية بأنّ 'الدين في حد ذاته لم يخلق المجتمعات الحرة'."ثالثاً، واقع المجتمع المدني، فيعطي أهمية له ويعتبر أنه أساسي لتعزيز الديمقراطية، فضعف المجتمع المدني أو خموله هو بمثابة عقبة أمام تحقيق الديمقراطية. رابعاً، الخبرة التاريخية بالمؤسسات الليبرالية، حيث يعتبر أن استقرار الديمقراطية مرتبط بالخبرة التاريخية المرتبطة بالمسار المتدرج لدولة ما وما شهدته من أمور تعزز الليبرالية والحريات. فيعتبر أنّ هذه الخبرة تؤدي إلى تعميق الديمقراطية عند الشعب لأنه يكون قد شارك فيها منذ البداية. لذا إن انعدام أو ضآلة الخبرة يشكل عائقاً لاستقرار الديمقراطية تبعاً لفوكوياما.

 

نظرية نهاية التاريخ والنظام العالمي

يرى فوكوياما أنّ الديمقراطية هي الحل الأفضل للمشاكل الإنسانية، وأنّ التاريخ الغائي وتطوره أوصل إلى الديمقراطية ومؤسساتها. ويشير إلى أنّ دولة الديمقراطية ستؤمن الاعتراف المتبادل الذي يضفي التجانس وينعكس على النظام العالمي والعلاقات بين الدول. فيعتبر فوكوياما أن انتهاء علاقة السيد والعبد ضمن الدولة، ستؤدي إلى إلغاء هذه العلاقة أيضاً بين الدول في ظل النظام العالمي مما يعني بالنسبة له انتهاء الامبريالية، مما سيقلل احتمالية نشوب الحروب التي كانت مسببة لها على حد اعتباره. لذا فهو يعتبر أن المسار التاريخي قائماً على دعامتين هما الرغبة المتعقلة والاعتراف العقلاني وأن الديمقراطية الليبرالية هي النظام السياسي الذي يوفر الاشباع لهما والتي ستصبح أكثر قبولاً لدى الناس. وستتجه الدول نحو تبني الديمقراطية مع أن بعضها سيواجه عقبات إلاّ أنها ستسعى للوصول ضمن هذا المسار، وعندها سيصبح العالم متشابه حيث لن يكون هناك أنظمة حكم مختلفة. فيقول حول تصوره للعالم: "البشرية ستكون بمثابة قافلة طويلة من عربات متشابهة. قد يتجه بعض هذه العربات صوب المدينة في حركة حادة ومفاجئة، وقد يعود بعضها إلى الصحراء، وقد تتعطل عجلات بعضها أثناء صعودها إلى الجبل… ولن تؤخذ الاختلافات الظاهرة بين حالة العربات على أنها تعكس اختلافات دائمة وحتمية بين ركابها، وإنما سينظر إليها باعتبارها نتيجة لاختلاف مواقعها على طول الطريق." 

 

نظرية نهاية التاريخ وتقسيم العالم

"قسم فوكوياما العالم إلى قسمين، الأول: عالم ما بعد التاريخ، وهي الدول التي تعتمد على النظام السياسي الديمقراطي الليبرالي، أما الثاني: دول التاريخ، وهي الدول التي لم تتجاوز نهاية التاريخ، والتي لا تطبق النظام السياسي الديمقراطية." حيث بالنسبة إليه إنّ التناقضات التي أدت إلى انهيار الأنظمة الأخرى هي ليست موجودة في النظام الديمقراطي لذلك لن ينهار. ويعتبر أنّ دول التاريخ أو دول عالم الثالث تعاني من تأخر في القومية والتصنيع وهذا ما يؤدي إلى اختلاف السلوك بين هذه الدول وسلوك الدول الديمقراطية. لذا يقسم العالم إلى شطرين؛ شطر تجاوز التاريخ وشطر ما زال غارقاً فيه. فيشير إلى أنّ دول ما بعد التاريخ ستشهد تنافساً اقتصادياً ولكن ليس عسكرياً يؤدي إلى تآكل المظاهر التقليدية للسيادة وتوحيد الأسواق والإنتاج. فيقول فوكوياما: "أما العالم التاريخي، فسيبقى فريسة لمختلف الصراعات الدينية والقومية والأيديولوجية على قدر ما قطعته البلاد المختلفة فيه من شوط في سبيل التنمية وستظل القواعد العتيقة لسياسة القوة قائمة فيه." كما أنه يشير إلى أنّ الخط الفاصل بين العالمين يتغير، كون هناك دول تنجح في الانتقال إلى الديمقراطية وهناك دول أخرى لن تنجح بذلك. فيعتبر أنّ التفاعل بينهما لن يكون إلاّ بحدوده الضيقة، حيث سيكون محاور تصادم فيما بينهما. فالمحور الأول يتجلى بالنفط حيث يرتكز انتاجه في دول التاريخ ويمكن أن تتلاعب فيه هذه الدول لأهداف سياسية وأن تزعزع الاستقرار الاقتصادي لعالم ما بعد التاريخ. أما المحور الثاني يتجلى بالهجرة، كون ستكون لها تأثيرات على المدى البعيد. حيث تهاجر نسبة كبيرة من العالم التاريخي إلى عالم ما بعد التاريخ وذلك لأهداف عدة مثل العمل وغيره. أما المحور الثالث يتجلى بمسائل خاصة بالنظام العالمي، حيث يعتبر أنّ عالم ما بعد التاريخ يسعى إلى الحد من انتشار بعض التكنولوجيات في العالم التاريخي كالأسلحة النووية والأسلحة البيولوجية. فيشير إلى أنّ لصالح دول ما بعد التاريخ أن تحمي نفسها من الأخطار الخارجية وأن تسعى إلى نشر الديمقراطية في الأنظمة الأخرى.

 

نقد نظرية نهاية التاريخ

لاقت نظرية نهاية التاريخ آراء مختلفة حولها تراوحت بين المعارضة والمؤيدة لها، وبذلك سنعرض بعض الانتقادات حولها. فمثلاً، يعتبر إيلجيز بوزدنياكوف- Pozdnyakov Elgiz  "أنه قد لا نختلف حول حقيقة أن الديمقراطية الليبرالية تُعد نجاحاً حقيقياً للإنسانية والإنسان، ولكنها نجاح وليس نهاية. فهي لم تنل الانتصار النهائي حتى في الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، وإذا كانت الديمقراطية الليبرالية ستكون متزامنة مع ليل صاروخي نووي حالك وانتشار تعاطي المخدرات والعنف والجريمة، الأمر الذي لا يمكن الحد منه أو السيطرة عليه، فهل سنسمي هذا الذروة؟" لذا فإنّ بوزدنياكوف يعتبر أن الليبرالية ناجحة ولكن ليست النهاية لأنّ ليس هناك هدف مشترك تعيش من أجله الإنسانية وهناك مشاكل ستتزامن معها. هذا وقد أشار جون غراي- John Grey إلى أنّ "النظرية تنبئ بنهاية الليبرالية، وليس نهاية التاريخ، إذ إن عصرنا هو عصر يتضاءل فيه تأثير الأيديولوجيا السياسية، سواء الليبرالية أو الماركسية على الأحداث، ويشتد فيه التنازع بين قوى عتيقة وقائمة منذ الأزل، قوى قومية ودينية وأصولية"… فيعتبر غراي أن النزاعات في العصر الحالي ستختلف، فهي لن تكون على أسس أيديولوجية وإنما دينية أو قومية أو أصولية وغيرها…

كما  أنّ بعض المفكرين وجهوا انتقادات لنظرية نهاية التاريخ وحاولوا صياغة نظريات أخرى ترسم وتتوقع مستقبل العالم انطلاقاً من أسس مغايرة مثل صامويل هنتغتون ونظرية صدام الحضارات التي أعدها. حيث "لم يكن فوكوياما يفكّر في مستقبل العالم وحيداً، فأستاذه صامويل هنتغتون أثار جدلاً واسعاً عند منظّري السياسة الدولية في فكرته التي اعتُبرت بمثابة الردّ المباشر على فكرة تلميذه فرنسيس فوكوياما، إذ جادله رافضاً أن الشكل الغالب على الأنظمة حول العالم سيكون الديمقراطية الليبرالية. فقد اعتبرها هنتنغتون نظرة قاصرة ولا يمكنها أن تعيش وسط تزاحم الصراعات في العالم المعاصر." حيث بالنسبة لههنتغتون أنّ الصراع في العالم لن يكون انطلاقاً من الأيديولوجيات وانما انطلاقاً من الاختلاف بين الحضارات مما سيؤدي إلى تصادم فيما بينها.

وكذلك يقول حسين علي: "يكرس فوكوياما هنا، وحتى يبرر ويشرعن، شكلاً آخر من أشكال التمييز العنصري، ولكن هنا ليس على صعيد بلد أو مجتمع معين، وإنما على الصعيد العالمي: فالسيد هنا هو الدولة الليبرالية الناجية والظافرة، أما العبد، المسموح له أن يكون بعيداً عن الأنظار، كي لا يزعج أحداً بأنينه، وبعد أن استنفذت قواه ونهبت ثرواته، فهو الدول الفقيرة التي لن يزيد اعتناق الليبرالية إلا فقراً، لأنها لن تحقق ما عجزت دول أمريكا الجنوبية ودول أوروبا الشرقية عن تحقيقه." فيعتبرها أنها جاءت لتكرس التمييز بين الدول الليبرالية والفقيرة وتعميق الفجوات بينهما.

لذا إنّ نظرية نهاية التاريخ والإنسان الأخير جاءت لتبلور انتصار الفكر الليبرالي، وقد ترافقت مع غيرها من النظريات التي صيغت متأثرة بروح الانتصار عقب انتهاء حقبة الحرب الباردة. ومن بين النظريات الأخرى التي جاءت بعدها كما ذُكِر آنفاً هي نظرية صدام الحضارات، فما هي هذه النظرية؟ وما هي نقاط التشابه والاختلاف فيما بينها وبين نظرية نهاية التاريخ؟

 

 

المصادر والمراجع:

- أحمد مختار عمر، معجم اللغة العربية المعاصرة، المجلد الأول، عالم الكتب، الطبعة الأولى، مصر، 2008،. 

 - محمد سيف حيدر النقيد، نظرية 'نهاية التاريخ' وموقعها في إطار توجهات السياسة الأمريكية في ظل - النظام العالمي الجديد، مركز الإمارات للدراسات والبحوث والاستراتيجية، الطبعة الأولى، أبو ظبي، 2007. 

- خليل حسين، العلاقات الدولية النظرية والواقع- الأشخاص والقضايا، منشورات الحلبي الحقوقية، الطبعة الأولى، 2011.

- عبد العزيز قاسم، نهاية التاريخ تحت مجهر الفكر العربي حوار فوكوياما بمرآة المثقفين العرب، العبيكان، السعودية، 2007.

- فرانسيس فوكوياما، نهاية التاريخ وخاتم البشر، ترجمة حسين أمين، مركز الأهرام للترجمة والنشر، الطبعة الأولى، القاهرة، 1993.

- حسين علي، نهاية التاريخ أو صدام الحضارات، دار النفاس، لبنان، 2002.

- يحيى قاعود، رسالة بعنوان: طروحات فوكوياما وهانتغتون والنظام العالمي الجديد -دراسة تحليلية مقارنة- أعدت لنيل درجة الماجستير، العلوم السياسية، جامعة الأزهر، غزة، 2014.

.Chris Hughes, Liberal Democracy as the End of the History, Routledge USA and Canada, 2012 -

Selcen Oner, A Brief Analysis of Fukuyama’s Thesis “The End of History” -

 

إقرأ أيضاً

شارك أصدقائك المقال

ابقى على اﻃﻼع واشترك بقوائمنا البريدية ليصلك آخر مقالات ومنح وأخبار الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ

ﺑﺘﺴﺠﻴﻠﻚ في ﻫﺬﻩ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ البريدية، فإنَّك ﺗﻮاﻓﻖ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻼم اﻷﺧﺒﺎر واﻟﻌﺮوض والمعلوﻣﺎت ﻣﻦ الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ - Political Encyclopedia.

اﻧﻘﺮ ﻫﻨﺎ ﻟﻌﺮض إﺷﻌﺎر الخصوصية الخاص ﺑﻨﺎ. ﻳﺘﻢ ﺗﻮفير رواﺑﻂ ﺳﻬﻠﺔ لإﻟﻐﺎء الاشترك في ﻛﻞ ﺑﺮﻳﺪ إلكتروني.


كافة حقوق النشر محفوظة لدى الموسوعة السياسية. 2024 .Copyright © Political Encyclopedia